إن صيام شهر رمضان من أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله سبحانه و تعالى على المكلفين من المسلمين. و لكن هل يستطيع الجميع الصيام؟ هل يستطيع الأطفال الصيام؟ ما هي الأمراض التي يتعذر معها الصيام؟ ما هو تأثير الصيام على أطفال الحامل و المرضع؟ و ما هي العادات الواجب اتباعها مع أطفالنا خلال هذا الشهر الفضيل؟
يعتبر الأطفال من غير المكلفين دينيا و لا يفضل صيامهم قبل عمر العشر سنوات لما لذلك من تأثيرات على نموهم و تطورهم.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "صوموا تصحوا"، و ليس هناك من خطأ يشوب ذلك الحديث ، فالصوم يعود علينا بفوائد جمة ، و قد يكون علاجا لكثير من أمراض العصر كالسمنة و السكري من النوع الثاني و غيرها .
و لكن بدايةً ، لنتعرف على التغيرات الفسيولوجية التي يسببها الصيام:
-الأيض و هضم الكربوهيدرات و الدهون:
بالإمتناع عن الطعام، تنخفض نسبة هرمون الإنسولين المسؤول عن تنظيم السكر في الجسم و ترتفع نسبة هرمون الجلوكاغون و هرمونات الغدة الكظرية.
وقد بينت الدراسات ان الاطفال ما بين عمر 1-9 سنوات قد تنخفض نسبة السكر لديهم بمعدل 50% بعد صيام 24 ساعة. كما أن 22% من هؤلاء الاطفال قد يعانون من انخفاض السكر الى ما دون 40 مغم /100 مل و هي نسبة خطيرة و لذلك لا ينصح بصيام الأطفال دون العاشرة.
أما بالنسبة للبالغين، فقد بينت الدراسات ان نسبة السكر في الدم تنخفض في الايام الاولى للشهر الفضيل، ثم تعود لتكون طبيعية في اليوم العشرين، ثم تسجل ارتفاعاً في اليوم التاسع و العشرين.
و لكن على الرغم من الانخفاض فإن أقل نسبة تم تسجيلها هي 63 مغم/100مل و هي نسبة طبيعية لا تؤثر على وظائف الجسم.
أما بالنسبة للدهون، فحالها كحال السكر، و لكنهل تتعرض للكثير من التنوع، فقد تنخفض الدهون فعلا في الايام الأولى من رمضان و يرافق ذلك خسارة في الوزن، و لكنها تعود لترتفع خصوصاً اذا كان الفرد من مستهلكي االوجبات الدسمة.
ولكن مما لا شك فيه أن الدهون "الحميدة" HDL Cholesterol ترتفع مع الصيام لتنخفض معها الدهون "الضارة" LDL Cholesterol .
-الغدد الصماء:
إن الصيام لفترات طويلة ، قد يؤدي إلى هبوط في هرمونات الغدة الدرقية، و لكن الصبام الإسلامي ليس كفيلاً بإحداث هذه التغيرات، مع العلم أن بعض السيدات قد يواجهن انخفاضاً في نسبة هرمونات الغدة الدرقية مع نهاية شهر رمضان، و لكن هذا الانخفاض يكون بسبب تغير نسبة البروتينات المرتبطة بهذه الهرمونات، بحيث تبقى نسبة الهرمونات "الفاعلة " ثابتة.
من المعروف أيضاً أن خسارة الوزن بشكل كبير أو الصيام لفترات طويلة، قد تؤثر على نسبة الهرمونات المسؤولة عن الخصوبة، و أحياناً انقطاع الطمث لدى السيدات. و لكن أثبتت الدراسات أن الصيام الإسلامي ليس طويلاً بشكل كاف لإحداث هذه التغيرات.
-الجهاز البولي:
إن نقص السوائل الذي ينتج عن الصيام قد يؤثر على تركيز البول و درجة حموضته و لكن هذه التغيرات غير مهمة سريرياً.
إن الصيام الإسلامي قد يؤدي إلى زيادة نسبة uric acid و لكنها أيضاً زيادة ضئيلة يمكن تلافيها عن طريق شرب كميات كافية من السوائل.
-وظائف الكبد و الصفار:
أظهرت الدراسات أن الصيام يؤدي إلى ارتفاع تدريجي في نسبة الصفار يصل إلى ذروته في اليوم العاشر من رمضان ثم يبدأ بالنزول تدريجياً. يترافق هذا الارتفاع مع انخفاض نسبة السكر في الدم.
و قد بينت الدراسات ان تناول الوجبات الغنية بالكربوهيدرات اكثر منها بالدهون قد يخفض هذه النسبة الى طبيعتها.
-الجهاز الهضمي:
يقل نشاط الجهاز الهضمي في شهر رمضان، كما يقل نشاط الحوصلة الصفراوية (المرارة).
-الشهية و الصحة النفسية:
تقل شهية الفرد للطعام بعد 1-4 أيام من بداية الصيام، بسبب ارتفاع نسبة مادة بيتا اندوربين Beta Endorphin و بعض المواد الأخرى.
من المثير للإهتمام أن هناك دراسة أجريت في الاردن تثبت أن عدد حالات الإنتحار تقل في رمضان.
-المعادن:
قد تنخفض نسبة الكالسيوم في الثلث الاول من رمضان و لكنها تبقى ضمن الحدود الطبيعية، لتعود و ترتفع في الثلث الاخير
لا تغيرات تذكر تطرأ على مستوى الفسفور و الصوديوم و البوتاسيوم و المغنيسيوم و الزنك في رمضان على الرغم من اختلاف امتصاص هذه المعادن و اخراجها في الشهر الفضيل.
-خسارة الوزن:
قد يخسر الصائم ما بين 1.7-3.8 كغم خلال شهر رمضان، و ذلك يعتمد بنية الشخص و طبيعة الغذاء خلال ر مضان، حيث أن الاشخاص البدناء قد يخسرون الوزن أكثر من الاشخاص الطبيعيين.
بعض الأمراض التي تحتاج إلى إاهتمام في رمضان:
-السكري:
لقد أصبح معروفاً الآن أن هناك نوعان من السكري:
السكري من النوع الأول:
ليس من المستحيل على الأشخاص المصابين بالسكري من النوع الأول و الذين يشكل الأطفال نسبة عالية منهم الصيام خلال شهر رمضان، و لكن حتى يتم ذلك يفضل أن يتم تقسيم جرعة الإنسولين طويل الأمد إلى واحدة قبل السحور و أخرى قبل الفطور. و تعتبر وجبة السحور في هؤلاء الأشخاص وجبة مهمة جداً لا يجوز ابداً تجاهلها.
يجب على هؤلاء المرضى أيضاً مراقبة نسبة السكر في الدم طوال فترة الصيام حتى لا يكونوا عرضة لارتفاع او انخفاض السكر مما يشكل خطراً على حياتهم.
بشكل عام، لا يحبذ صيام الأطفال الذين يعانون من السكري من النوع الأول إلا بعد اتخاذ التدابير الآنف ذكرها و تحت مراقبة طبية شديدة.
السكري من النوع الثاني:
وهو النوع الأكثر شيوعاً، خصوصاً لدى البالغين. في هؤلاء الأشخاص، قد يكون من الضروري تقليل جرعة الأدوية من النوع الذي يحفز إفراز الإنسولين و ليس من الذي تزيد حساسيته، حتى لا يتعرض أولئك الأشخاص لهبوط نسبة السكر في الدم. و لكن لا بد ان يتم ذلك أيضاً تحت إشراف الطبيب.
أمراض الكلى:
لا يمكن للمرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي أو المرضى الذين يقومون بغسيل الكلى الصيام. و ذلك لان الصيام يرفع نسبة البوتاسيوم في الجسم.كما ان زيادة استهلاك الطعام في الليل ف ي هؤلاء المرضى قد يؤدي إلى زيادة احتباس السوائل و زيادة الوزن و البوتاسيوم قبل جلسات الغسيل .أما بالنسبة للذين تم عمل زراعة كلى ناجحة لهم و هم بحالة جيدة فلا مانع من صيامهم
ليس هناك دراسات كافية عن موضوع تكون الحصى في رمضان، حيث أنه من المعروف أن الجفاف قد يزيد من فرص تكون حصى الكلى في الاشخاص الاكثر عرضة لذلك. و لكن حتى الان ليس هناك دراسات كافية عن الموضوع.
أمراض الجهاز الهضمي:
يمكن للاشخاص الذين يعانون من قرحة في المعدة او الاثني عشر من الصيام اذا كانت هذه القرحة مزمنة و لم يكن هناك أي أعراض. أما إذا كان هناك اعراض حادة فلا يفضل الصيام.
أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من فرط نشاط الجهاز الهضمي كالقولون العصبي فقد يستفيدون من قلة نشاط الجهاز الهضمي في رمضان.
-هل تستطيع الحامل و المرضع الصيام؟ و هل يؤثر ذلك على الطفل؟
أظهرت الدراسات أن صوم الام الحامل قد يقلل من نسبة السكر و الانسولين و اللاكتيك و الكارنتين في دم الام و يرفع نسبة الدهنيات. و لكن على الرغم من هذه التغيرات فإن الاطفال المولودين لهذه الامهات لم يعانوا من نقص في وزن الولادة مقارنة بالاطفال المولودين للامهات غير الصائمات.
إن الصوم خلال الرضاعة الطبيعية قد يغير تركيز حليب الام من الصوديوم و السكر و البوتاسيوم مما قد يؤثر على أطفالهم.
و قد اعطى الله سبحانه و تعالى الرخصة للحامل و المرضع للإفطار في رمضان إذا خافت على جنينها.
-ما هي التغييرات التي تحدث في النظام الغذائي للاطفال في رمضان، في بيت يكون الكل فيه صائماً:
قد يتسبب تغيير النظام الغذائي للكبار، وكذا فترات التغذية خلال رمضان في الاخلال بالواجبات الرئيسية لغذاء الاطفال، وفي كمية الاكل اللازم لهم للحفاظ على نموهم الجسمي، لذلك ايضا انعكاس على قوة التركيز لديهم داخل الفصل الدراسي،
فماذا يجب وما لا يجب فعله في تغذية الطفل؟
-تجنبي تغيير نمط وشكل تغذية طفل دون سن الثانية عشرة او الثالثة عشرة عاما.
-احترمي وجباته الغذائية الاربع الرئيسية التي تعودنا عليها، وهي الفطور والغداء والترويقة «وجبة العصر الخفيفة» والعشاء.
-لا تؤخري وجبة غداء اطفالك تحديدا بدعوى قرب تزامنها مع موعد افطارك الرمضاني، فادماج غدائه بفطورك ليس صحيحا.
- تعودي على الاستيقاظ صباحا كما كنت دائما لافطار طفلك، لأن الفطور وجبة مهمة وتساعد على تخليص طفلك من مضاعفات صحية جانبية قد يصاب بها.
-اذا فقد شهية الاكل لعدم وجودك معه على نفس مائدة الفطور الصباحي جهزي له فطوره الخاص على شكل «ساندويشات» يحملها معه الى المدرسة، حيث يمكنه تناولها عند الشعور بالجوع او برفقة زملائه في فترة الاستراحة.
-لا تدعي الطفل الصغير يصوم من باب التعود على رمضان خلال ايام دراسته، لأن لذلك انعكاسات كبيرة على طاقة تحمله وتركيزه.اختاري يوم عطلة او نهاية الاسبوع ان كان يريد خوض تجربة الصوم حتى لا يتأثر بفعل الجوع والتركيز في الفصل.
-عندما تقترب سن طفلك من سن الصيام يمكن تعويده تدريجيا على الصوم من خلال تمديد المدة الفاصلة بين الغداء ووجبة اخرى العصرونية مثلا او العشاء، وهذا سيمكن جسمه من التكيف وتحمل الصيام من دون اي مشاكل في دراسته او صحته.
-راقبي جيدا نوعية التغذية التي سيتناولها في هذا الشهر، خصوصا الحلويات والسكريات التي تكثر في بيوتنا في رمضان، فالاقبال عليها بنهم او الاكثار من المواد الدسمة المتوفرة في الفطائر قد يسبب خللا في جهازه الهضمي، كما يمكن ان يصاب بالسمنة.