صار الحديث عن العنف عند الأطفال من المواضيع الشائعة و الشائكة بوقت واحد في الآونة الأخيرة، فقد كثر الكلام عن أحداث كان أبطالها "لو صح التعبير" من الأطفال و المراهقين،و من مختلف الشرائح و الطبقات الإجتماعية، و بالطبع كان ذلك مدعاة للقلق على مستويات مختلفة في العديد من المجتمعات ، لقد كشف استطلاع حديث أجري في الولايات المتحدة أن نصف الأطفال الذين تم استطلاعهم قد ذكروا أن أكثر ما يخيفهم هو أن يصبح أحد ما يحبونه ضحية عنف، و سجلت دراسة أخرى أن ربع طلاب المدارس قد ذكروا على الأقل حادثة عنف واحدة شملت الطفل أو أحد أفراد عائلته أو صديقاً لهم، كما أن كثيراً من هؤلاء كانوا يعانون من نقص لاحترام الذات أو بكاء زائد أو خوف من الأذيات المختلفة أو حتى من الموت و ذلك بنسب تعادل ضعف ما نجده عند الأطفال الآخرين.
تمثل الأسلحة النارية في الولايات المتحدة السبب الأول للوفيات عند الأطفال الذكور السود الذين تتراوح أعمارهم من (10-24)سنة، و السبب الثاني عند كل الأطفال بأعمار (10-14 ) سنة، و السبب الثالث للموت بعمر(5-14)سنة، و في عام (1993) سجل أن ما يقارب من نصف المنازل الأمريكية تمتلك على الأقل سلاحاً واحداً، لقد غزا العنف المدارس مشوهاً العملية التعليمية، و مدمراً ثقة الصغار بالكبار، و محطماً لقيم جميلة عديدة، و كذلك مفقداً الأطفال شعورهم بالأمان، إن المراهقين حتى غير الجانحين ينضمون لعصابات و يتعاركون ما بين مزح و جد بشكل لا يخلو من خطر كبير، و أكثر من ذلك سجل أن ما يقارب من (15) مليون طفل هناك قد عانوا من اضطهاد جسدي أو جنسي في حياتهم، إن أولياء الأمور الذين يضطهدون أطفالهم لا يؤذون طفلهم جسدياً و نفسياً فحسب، و إنما يعلمون الطفل كيف يستخدم القوة لحل أي مصاعب حياتية قد تصادفه، و غالباً ما يجعل هؤلاء الأهل ابنهم مشروعاً لأن يصبح شخصاً يضطهد الآخرين في الحاضر (لأشقائه مثلاً) و في المستقبل(لأبنائه) - لا سمح الله-.
إن الحديث عن العنف يجرنا للحديث عن التلفاز ، و طبعاً نشمل معه المحطات الفضائية و حتى أجهزة الفيديو، فتأثير العنف الوارد في هذه الوسائل على الأطفال شديد الخطورة،فرغم أن بعض البحوث قد أشار إلى أن هذا النوع من التأثير إنما يصيب الأطفال الذين هم بالأصل على خطر لتقبل ذلك مثل الذين لديهم سلوك عدواني، و لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، فالجميع معرض للأخطار، و تؤكد ذلك الأبحاث التي تشير إلى أن كمية برامج العنف على التلفاز و التي يشاهدها المرء في طفولته هي من المؤشرات الأفضل التي يعتمد عليها لتحديد مستقبل علاقة الطفل بالعنف خلال سنوات مراهقته، ناهيك عن تأثير يرامج التلفاز على كل النواحي التربوية و السلوكية و الإجتماعية للطفل.
لقد أظهرت دراسة حديثة أن الأطفال الذين يتعرضون لمؤثرات زائدة و حالة من نقص التغذية كما يحدث بسبب التلفزيون بسن ما قبل المدرسة يكونون عادة أقل سعادة في حياتهم وأكثر عدوانية في دور رعاية الأطفال و الحضانات و المدارس التمهيدية، إن برامج التلفازالتعليمية و التثقيفية الموجهة خصيصاً لهؤلاء الأطفال يمكن أن تدعم تطورهم الإدراكي و مقدرتهم على القراءة و اكتساب المهارات اللغوية، كما أن التلفاز يمكن أن يقدم للطفل أخباراً و معلومات ، و لكن لا يجوز الركون للتلفاز كبديل عن الدور الأساسي و الهام للوالدين في تنمية هذه الفعاليات و إدراكها، و إنما يجب النظر للتلفزيون على أنه داعم و مساند ليس إلا في هذه العملية التربوية التي لا غنى فيها عن أصحابها الحقيقيين و هم الآباء و الأمهات أولاً و من ثم هيئات المجتمعات و على رأسها المدارس، فالأمر يتعدى كونه يتعلق بحياة فرد، فهو يرتبط بالواقع بالمجتمع كل المجتمع و مستقبله، و لهذا فإن كل أولياء الأمور مطالبون بأن يعرفوا ماذا يشاهد أبنائهم على التلفاز، و ينبغي أن يقرروا فيما إذا كانت تلك البرامج مناسبة أم لا، و كذلك عليهم التوضيح لأبنائهم فيما يتعلق بالوقت المسموح بمشاهدة التلفاز أثناءه و مدة ذلك، و كذلك بطبيعة الحال محتوى البرامج و تفسير وجهات النظر هذه.
إن ميل الأطفال للعنف ينجم بالأساس من محتوى بنيوي موروث داخل الطفل إلى حد ما و من تأثير بيئي هو الأكبر و الأخطر ، و تفاعل هذين العاملين يشكل الجوهر الحاسم في الأمر، إنه من غير الجائز أن نغمض أعيننا عن حقائق و وقائع تأتينا بها الأيام و قد تصلنا من ماوراء البحار ، و علينا أن نواجه ذلك بالشكل الذي يكفل للأطفال أمانهم و سلامتهم و يصون براءتهم متسلحين بنعم السلاح .. أخلاق فاضلة و بنيان أسري متماسك سليم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق